dimanche 21 juillet 2019


فنانون يموتون صمتا في زمن موازين

صدر مقال على الجريدة الإلكترونية ""الصحيفة" تحت عنوان:
محمد الخلفي .. نهاية مسار "فريد شوقي" المغرب متشردا بكوخ مهترئ

بقلم السيدة خديجة تشوت الخميس 11 يوليو 2019 - 10:31

وأنا أطالع الخبر انتابني حزن عميق على أهل الفن في وطننا الحبيب، وكيف يؤول مصيرهم عند الضعف والحاجة أو عند أرذل العمر.
فمحمد الخلفي ليس بدعا من هؤلاء، وليس هو الأول الذي نكتشف بأنه أصبح عرضة للضياع والنسيان والإهمال، فهناك اليوم الكثير من الفنانات والفنانين من يقبع في زاوية النسيان وينتظر من يرأف به أو يعطف عليه ولو بزيارة أو كلمة اعتراف تفضلا لا أمرا. وللأسف الشديد من هؤلاء من قضى نحبه وهو يحمل غصة الإهمال والتهميش في قلبه، وشكوى مظلوم بقي صداها منحبسا في الصدر، حتما ستلقى جوابها وعدلها أمام الذي أضحك وأبكى وأمات وأحيى سبحانه وتعالى.
مثل هؤلاء النساء والرجال الذين أفنوا زهرة شبابهم في العطاء الثقافي والإبداع الفني، ورغم ما قد يشوب مسيرتهم من هفوات وأخطاء لا تكون إلا لمن يعمل ويجتهد، قد ساهموا في بناء مسرح مغربي وألوان فنية أصيلة، وكفى بأعمالهم شاهدة عليهم! فلماذا نلتفت عنهم دولة ومجتمعا في لحظة ضعفهم وتجردهم من الحول والقوة؟ فليضع كل واحد منا نفسه في وضعهم، ألسنا كلنا مهددون بنفس المصير، ولا نعلم مآلنا وعاقبتنا في نهاية المطاف؟ من منا مطمئن على مستقبله، ومتأكد من سلامة غده؟ فكم من مسافر لم يرجع، وكم من نائم لم يستيقظ، وكم من مكتمل الصحة والعافية أصبح معاقا! لا يذهبن بكم التأويل أنني بصدد الوعظ والإرشاد، الجواب قطعا لا، وإنما هو تذكير بحقيقتنا المصير الذي قد يعرف لا قدر الله نفس المسار الذي تعرض له السيد محمد الخلفي، والسيد عبد القادر مطاع، والسيدة الركراكي، واللائحة طويلة، وللأسف فالوضع الحالي يوحي أنها ستبقى مفتوحة، ومن يأمن على نفسه ان يكون في مستقبل الأيام أحد المدونين فيها . فكل نجم لا محالة آيل للأفول، ولا يبقى سوى الأثر.
ومن باب الشهادة لا التفاخر أو الظهور، أقول أنني عرفت الرجل وأنا شاب أمارس المسرح وأقدم العروض في المهرجانات والفضاءات المسرحية، ومن ضمنها قاعة المرحوم عبد الصمد الكنفاوي (Casablancaise) حيث كنا نلتقيه وهو جالس بين أشجار حديقة الجامعة العربية، مبتسما، حيويا، وكباقي رعيل ذلك الزمان الجميل كان يقدم لنا نحن الشباب النصح الجميل. وإني لأشعر اليوم بالحسرة والحزن، لأن موضوع ضياع الفنانين المغاربة أصبح عاديا نقرأه كما نقرا أي خبر عادي يومي وقد نتأثر لبعض الثواني ثم ننسى، إنه لعمري التطبيع مع المآسي الإنسانية وتَبَلُّدُ الحي اتجاهها.
وحتى لا أطيل وأصل إلى الغاية من هذا المقال، أتوجه بالنداء إلى كل النقابات والفدراليات التي أُسِّسَت لتدافع عن حق الفنان في العيش الكريم، و إلى كل ذوي المروءات، وكذلك إلى الوزارة الوصية عن هذا القطاع، أن يلتفتوا ليس فقط إلى محمد الخلفي ولكن إلى كل فنانة وفنان ينتظر من الخلف الذي يحمل مشعل الفن في هذا الوطن الحبيب، أن يقوم بما يتطلبه الواجب المهني مؤسساتيا وإنسانيا، وهو ما يقتضي أخلاقيا الاعتراف بعطائهم، واجتماعيا احتضانهم والتكفل بحاجياتهم، وبهذا تعطي الدولة ومعها المجتمع المدني النموذج الراقي في التعامل قولا وفعلا مع الفن وأهله.
وفي هذا السياق نتساءل ألا يمكن اقتطاع ولو النزر القليل من ميزانية موازين التي تحسب بالملايير، ويتم تخصيصها لمثل هاته الحالات؟ ونكون فعلا قد لمعنا شيئا ما الإتيكيت كما يقول أصحاب الديزاين المجتمعي؟
وختاما أُذَكِّر أنني ما كتبت سوى غيرة عن الفن واهل الفن، في وطن يغدق المال ويحتفي طيلة كل عام بأهل الفن القادمين من كل زوايا العالم، فَهَلَّا رُمْتُمْ ببعض كرمكم على فنانات وفناني هذا الوطن القابعين في زوايا البؤس، والذين نكن لهم كل التقدير والاحترام ونفتخر بما قدموه حبا لهذا الوطن وإرضاء للجمهور.

samedi 2 février 2019

المواطن "ع"

 جلس "ع" يتأمل فنجانه يحاول أن يرى الجزء المملوء بدل الجزء الفارغ، ليكون متفائلا، فلم يستطع فأمام عينيه يمر شريط حياته، كان شابا يملأه الأمل بأن يصبح فنانا تشكيليا ذائع الصيت، لوحاته تباع بالمزاد العلني بأثمان خيالية، فيأخذ منها ما يحتاجه، والباقي يهبه لجمعيات خيرية. بعد تخرجه من معهد الفنون التشكيلية، وجد نفسه مندفعا فلوحاته تعكس المعاناة اليومية لأبناء شعبه ووطنه، وكل من عاينه في ورشته وهو يرسم استعدادا لأول معرض له يهنئه ويشجعه.
اكتمل العدد المطلوب، فزاره مسؤول عن المتحف وعاين بدوره اللوحات، "مواضيع مهمة" قالها المسؤول وهذا هو الفن المطلوب، 'تبارك الله عليك حامل هم: المتسولين، والعاطلين، والمرضى بدون تطبيب، والمنفيون في أقاصي الجبال، و.و.و" واستطرد "طلبك سيحال على إدارة المتحف. وستتوصل بالجواب عما قريب" وانصرف.
وتوالت الأيام ولا جواب من المتحف، إلا سوف نرى، سوف نحيل طلبك على ...، سنحتاج لبعض الوقت، وإذا بالأيام تصبح أسابيع، ثم شهور، ثم بضع سنين، فكشر الجوع عن أنيابه، فلم يعد يملك سوى فرشاته، وملوناته، ولوحاته التي خط فيها باللون عن مكنونه وما يعتريه من إحباط.
فكان يقاوم الجوع، والعطش، وقلة الملبس، بدأت الأمراض تزحف عليه، وباب المتحف لم يفتح في وجهه بعد. "صديق لي يريد اقتناء لوحة من لوحاتك" "كيف وهو لم يراها بعد" "صديقي، أنا أردت مساعدتك حتى يمكنك سد رمقك، فالرجل يمكنه شرائها لأنه يعشق هذا الفن" فيقول فرحا:" وأخيرا يبتسم لي الحظ"
جدران الورشة المترهلة تهتز من صيحة صدرت من "ع" الذي يردد" كيف يمكن أن يتردى الفن الهادف المتزن إلى هذا الدرك؟ كيف يمكنك أن تطلب مني ثمنا لا يليق حتى باللوحات الرخيصة التي تباع بدريهمات في الأسواق؟". يرد الشاري ببرودة دم "هذا هو البيع والشراء قدمت لي سلعة وأنا أعطيتك ثمنها"
كان يوما مشهودا في الدرب، خرج جميع السكان ليشهدوا "ع" وهو يعدم لوحاته الواحدة تلو الأخرى، يمزقها ويفتتها ويكومها ويضرم فيها النار، ويبدأ يدور حولها وهو يرقص رقصة الموت مثل الهنود الحمر، ويصدر أصواتا تشبه الأنين، ويزفر زفرات تقطع الأكباد ندما على ما ضيع من سنين عمره وهو يحلم بغد مشرق، وأن اسمه سيدخل تاريخ الفنون التشكيلية، ويكتب بماء الذهب كالمعلقات بأن ريشته حملت ألوان البؤس والشقاء والحرمان والظلم الذي يعيشه أبناء وطنه.
"الله يخليك صاوب لي شي صورة فيها جمال الطبيعة" يستفيق "ع" من سفريته في الزمن، يرفع عينيه إلى الذي طلب منه أن يرسمه نظر إليه "ع" مليا ثم قال" عن أي جمال تتحدث في وطن سرق جمال طبيعته، ماذا سأرسم؟ غابات لم يعد لها وجود، أرسم وجوها غابت عنها الابتسامة، أرسم متسولين أمام أبواب المساجد يستجدون دريهمات، أرسم أشباح لشباب نخرهم سم المخدرات، أرسم دمع أبناء امرأة أضرمت في جسدها النار من حرقة الظلم والحكرة، أرسم ثروات بلادي تبدد برا وبحرا وجوا، أرسم أجساد طرية كانت تحلم بالمستقبا وهي تطفو على مياه المتوسط، أرسم جماجم من سيعطونا العلم وهي تتكسر، ماذا سأرسم في وطن سرق مني الأمل، والتفاؤل، لم يعد هناك ما يرسم، فالظلم والطغيان ألجم عقلي وجز إبداعي، فلم أعد أملك سوى الحلم."
وقف الرجل مشدوها وقال "لا خير في وطن يئد أبنائه، ويقتل فيهم أسمى شيء يملكونه، الأمل. نعم فالطغيان يولد الحرمان" وذهب إلى حاله، بينما "ع" ما يزال ينظر إلى فنجانه وهو يحلم، ولكن هذه المرة كانت نظرة فارغة. علقت الجثة بالواقع بينما عقله حلق بعيدا بحلمه حتى لم تعد لديه فرصة للعودة، حينها أحس بالسعادة فحريته في حمقه.
فنهض وبدأ يرسم على الرصيف آلام وطنه بألوان لا يفهمها سواه، بينما الناس يتحسرون عليه ويرمونه بقطع النقود.


يوم 30/01/2019