mercredi 16 décembre 2015

حديث عن الإخراج المسرحي-2-

المخرج يدرس النص الأدبي من جوانب متعددة بما يحمل في طياته من معاني اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، ونفسية، وكذلك تراثية، وتاريخية.
ويتم تفكيك هذه الجوانب عبر ما تحمله الكلمة المكتوبة من مقاربات نسقية وبالتالي يكون التجميع عبر نسق يحتوي على دلالة رمزية علما أن الشخصية المسرحية ليست بريئة لأن كل ما في النص الدرامي مفتعل من طرف المؤلف ليمرر خطابا ورسالة عبر الشخصيات المكتوبة.
أعتبر أن التفكيك والتجميع لا يتما إلا عبر العثور على مفاتيح الشخصيات المسرحية أو الفعل الإنساني المفتعل داخل النص الدرامي وذلك دون احتواء الفكرة الأساسية للنص الدرامي، ويتأتى ذلك باستعمال أدوات هي من صميم حرفية الإخراج.
هذه الأدوات تكون لغة من لغات العرض الدرامي، وتختلف من مخرج إلى آخر، ولا أقول من مدرسة إخراجية إلى أخرى، بما أن الإبداع والفن عموما أعتبره متحركا ويتطور بتطور المجتمع وفق المقولة المشهورة "إذا أردت أن تعرف مدى تطور أي مجتمع فانظر إلى فنونه". لدى فالأدوات قد تملأ الفضاء بضخامتها، أو تكون بسيطة حسب التجارب الإبداعية. لكن يبقى الممثل الأداة التي لا يمكن مطلقا الاستغناء عنها، فبدونه لا يمكن أن تكون هناك فرجة، فمن خلاله كذلك ينساب ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين العرض الدرامي وبين الواقع الإنساني بآلامه، وأفراحه، وآماله، وكذلك تاريخه، بمعنى أن روح الممثل هي التي تسري في روح النص الدرامي؛ ولا أعني في هذا لسياق المفهوم الأرسطي للكاتارسيس (catharsis) أو التطهير.
يبقى إذا على عاتق المخرج أن يبحث عن لغة موازية للغة النص الدرامي والأحداث المفتعلة من طرف المؤلف، ولا يسقط أسيرا لسحر الكلمة الذي يبقى سحرا ظاهرا، بل يغوص في الكلمة بحثا عن البعد الإنساني –وهذا مرتبط ارتباطا عضويا بالعثور على المفاتيح التي ذكرت أعلاه-ولا يتأتى هذا إلا بالتفاعل الذي يكسر الحدود الإبداعية عبر الفضاء المفتوح. ففي الفضاء المفتوح كل شيء يتحرك بمعنى آخر كل ما في الفضاء فيه حياة تنبض بالفعل الإنساني، كالمناظر التي رغم جمودها فهي تتحرك بتغيير الإضاءة، والموسيقى وكل المكونات الموازية؛ علما أن المخرج يمكنه الاستغناء عن هذا المنظر الجامد، أو الموسيقى مثلا ولكن لا يمكن الاستغناء عن الممثل الذي يبقى هو المحرك الديناميكي للفعل الدرامي المفتعل فهو الطاقة الهائلة التي تفجر مكنون النص الدرامي عبر حركته وتعامله مع المناظر والموسيقى والإضاءة واللباس والملحق، وبالتالي يكون حلقة وصل حية بين الحدث الدرامي المفتعل وبين المشاهد الذي حضر وهو مستعد للمشاركة في اللعبة ولكن بشروط أهمها الصدق في الأداء ونسقية تأثيث الفضاء.
ختاما، المخرج هو مثل رئيس الجوقة الموسيقية عينها على الآلة والعين الأخرى تتبع حركات رئيس الجوقة، فكل حركة غير متناسقة قد تعصف بتناغم الجوقة الموسيقية. للمخرج علاقة بالنص الدرامي، والممثل، والطاقم التقني، وكذلك الطاقم الإداري، وحتى يفي العرض بشروط المشاهد، فعلى هذه المكونات أن تكون منسجمة كأنها عقد متماسك.

حديث حول الإخراج المسرحي

إن الحديث عن الإخراج المسرحي يعني الحديث بلغة مرئية ينجلي منها كل أداة تساهم في بناء الجو الدرامي المعبر عنه عبر اللعبة المسرحية. وهي بالتالي –الأداة- تكون ظاهرة للعين/المتلقي/المشارك/المتفرج.
إن اللغة المرئية تتكون من ديكور، وملابس، وماكياج، وملحق، وحركة الجسد التعبيرية..........أي كل ما هو ظاهر للعين/المتلقي/المشارك/المتفرج، والذي يكون حلقة ربط تخاطب الأحاسيس والعقل، ما دام الإخراج يجادل النص الأدبي لاستخراج ما هو مكتوم بين السطور من أحداث درامية وعلاقات بين الشخصيات مما يجعلها تتنافر حينا وتتآلف حينا آخر.
المخرج المسرحي يستنطق الكلمة لكي تفصح عن جوهرها، عن حقيقتها وبهذا فهو يكسر إيهام الكلمة ويغوص في بعدها الدلالي بمعنى أنه يقوم بالكسر من أجل فك رموزها عبر البحث عن الأبعاد التاريخية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية ......
لذى فهذا الكسر يحمل في طياته توليدا عبر الأدوات المذكورة أعلاه ليفتح آفاقا شاسعة للمخرج من أجل التوغل في كتابته الإخراجية التي تفتح له آفاقا إبداعية تخرج الكلمة من جمودها إلى حركة شرطها الأساس أن تكون هذه الحركة صادقة تولد أحداثا درامية متسلسلة يفوح منها جمال تأثيث الفضاء من دلالات رمزية كديكور متوازن، وإضاءة تشيع دفئ الأحداث، ناهيك عن الموسيقى والممثل الذي يحسن التعامل مع كل هذه الأدوات التي وضعت رهن إشارته فيتم الانسجام التام بين كل هذه الأدوات و العين/المتلقي/المشارك/المتفرج. */*يتبع

مقدمة

كان لفن المسرح وما زال دور أساسي في تهذيب الذوق الإنساني عبر جمالية الكلمة وحركات الجسد المتناسقة والإلقاء الصادق مع اللون والموسيقى وتوازن المناظر. وكلما هفا عاشق هذا الفن إلى الفرجة والترويح والمتعة سعى إلى بناء له مواصفات خاصة حتى يتسنى له للحظات معدودة أن يقارب واقعه جماليا ويسمو عن واقعه اليومي ومشاكله كما سبقت الإشارة عبر الكلمة والحركة واللون والتمويج الموسيقي. إنه يذهب إلى قاعة المسرح ليحضر عرضا\فرجة من فن المسرح.

تأتي المدونة لتساهم في ترسيخ فن مسرحي يبتعد عن الجمالية السطحية، والكلمة المحشوة التي تنتزع ضحكا مبتذلا، وكذلك الحركات الجسدية القريبة من حركات بهلوان السيرك البعيدة عن تجسيد الحدث الدرامي بكل أبعاده الإنسانية (الفرح، الحزن، الحب، الحقد، الأمل، القوة، الضعف ....)

فما أحوجنا إلى مراجعة ما نقوم به من إبداعات مسرحية سائلين أنفسنا:
هل نحن مقتنعون بهذا الفن الذي نمارسه؟ أم أننا لا نفلح إلا في استنساخ تجارب أخرى لا تمت بصلة إلى واقعنا، ولا تذكرنا بهويتنا؟.